ملخص القانون الدولي العام السداسية الثانية s2
ملخص القانون الدولي العام السداسية الثانية s2 |
تعريف القانون الدولي العام
- التعريف التقليدي: مفاده ان القانون الدولي العام هو " مجموع القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها وواجباتها" .وقد صاغ هذا التعبير الخبير فوش، حيث يحصر القانون الدولي العام في شخص الدول فقط لأنها الوحيدة التي تمتلك السيادة و الإستقلالية وهذا لن يتوفر لغيرها. وقد نشأ هذا الإتجاه في ظروف تاريخية وسياسية مرتبطة بنشأة الدول القومية نتيجة توقيع معاهدة وستفاليا سنة 1461 .
- التعريف الحديث: مفاده ان القانون الدولي العام "هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم روابط أشخاص المجتمع الدولي" وقد صاغ هذا التعريف الفقيه الفرنسي فيلاس، وفي نفس السياق نجد تعريفا فرنسيا أكثر دقة حيث أن القانون الدولي العام هو "القانون المطبق على المجتمع الدولي" .نلاحظ أن التعريفين أعلاه يواكبان من جهة الواقع الدولي الراهن وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية حيث لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد في الساحة الدولية نتيجة ظهور المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية و حركات التحرر الوطني والمجتمع المدني الدولي فضلا عن مكانة الفرد في القانون الدولي العام، ومن جهة ثانية يستعملان مصطلح "المجتمع الدولي " بدل" الجماعة الدولية أو الأسرة الدولية " حيث انه مصطلح المجتمع الدولي هو الصواب لأن المجتمع يحمل دلالة الصراع والتعايش والتعاون والفوضى التي جاء القانون الدولي العام لتأطيرها... عكس مصطلح الجماعة الدولية الذي يعني ما هو إنساني وأخلاقي يهتم بما ينبغي أن يكون عوض دراسة وتحليل ما هو قائم في الساحة الدولية.
مراحل تطور القانون الدولي العام :
1- القانون الدولي في العصور القديمة:
يحتوي التاريخ على أكثر من دليل على قيام علاقات دولية في العصور القديمة، وعلى وجود بعض قواعد كانت تخضع لها هذه العلاقات ، وقد سجل المؤرخون بعض أمثلة لمعاهدات تحالف وصداقة عقدت وقتئذ. كما سجلوا الكثير من معاهدات الصلح أنهت العديد من الحروب التي كانت تلك العصور مسرحا لها ، مثل المعاهدة التي عقدت بين فرعون مصر رمسيس
الثاني وحاتوسيس ملك الحيثين.
2- القانون الدولي في عهد الإغريق:
لقد كانت العلاقات الدولية في عهد الإغريق لها وجهان:
الوجه الأول خاص بعلاقة المدن اليونانية فيما بينها، والوجه الثاني بعلاقة هذه المدن بالشعوب غير اليونانية. أما علاقة المدن اليونانية فيما بينها فقد كانت على قدر كبير من الاستقرار، تسيطر عليها فكرة المصلحة المشتركة والرغبة في بقاء العلاقات الودية بين شعوب هذه المدن. لذلك نجدها تأخذ بنظامي التعاهد والتحكيم فتتجمع فئات من اتحادات تعاهدي، يجتمع مندوبوها في جمعيات خاصة، تعقد بصفة دورية للتشاور في كل ما يهم الصالح المشترك و لتسوية المنازعات التي قد تنشأ بينها ، ونجدها كذلك تراعي قواعد معينة في علاقاتها السلمية والعدائية كحصانة السفراء، وحرمة بعض الأماكن في بلاد العدو وتعزيز معاهدات الصلح باليمين، وإتباع إجراءات معينة في إعلان الحرب والسير فيها وإنهائها، وافتداء أسرى ى الحرب وغير ذلك.
3- القانون الدولي في عهد الرومان:
لا يختلف الرومان كثيرا عن الإغريق في نظرتهم إلى ما سواهم من الشعوب، فلم يكن لهذه الشعوب أي حقوق قبلهم يتعين عليهم احترامها وكانت صلاتهم بها في الغالب صلات عدائية وسلسلة من الحروب أوحت بها سياسة روما العليا للسيطرة على العالم وضم أكبر عدد ممكن من الأقاليم إلى الإمبراطورية الرومانية، وتلاشت شخصية الدول الموجودة وقتئذ في هذه الإمبراطورية ، فلم يكن هناك مجال لقيام قواعد قانونية دولية. وقد أصبحت العلاقات فيما بين هذه الدول وبينها وبين روما علاقات أجزاء إمبراطورية واحدة تخضع لقانون هذه الإمبراطورية وهو القانون الروماني وإن كان علم القانون وفن التشريع قد ازدهر في عهد الرومان بشكل لم يسبق له مثيل، وقد وضع مشروعهم كثيرا من الأسس التي قام عليها الكثير من المبادئ القانونية الحديثة ، إلا أن مسائل القانون الدولي لم يكن لها نصيب من اهتمام هؤلاء المشرعين نتيجة سياسة السيطرة وفكرة الإمبراطورية العالمية وما فيها من تعارض مع قيام قواعد قانونية دولية.
4- القانون الدولي في العصور الوسطى:
لا تتميز القرون الوسطى في بدايتها عن العهد القديم. فقد ظلت فكرة الحق للأقوى هي السائدة بين الشعوب وعلى الأخص شعوب أوروبا، وساعد على ذلك تفكك الدول وانتشار النظام الإقطاعي، حيث كانت حياة الأمم سلسلة حروب متواصلة.
وقد كان لانتشار مبادئ الدين المسيحي أثر كبير في العلاقات الدولية، فقد لطفت هذه المبادئ من نزعة الميل إلى الحروب وساعدت على التوفيق بين دول أوروبا المسيحية، وبدأ حظر فكرة أسرة دولية مسيحية تجمع بين دول أوروبا الغربية تحت السلطة العليا للبابا. وساعد على توطيد هذه الفكرة ظهور الإسلام حيث ساد الاعتقاد أنه يهدد بانتزاع سيادة العالم من المسيحية ، فتكتلت دول أوروبا لمناهضته وانقسم العالم إلى كتلتين كتلة الأمم الإسلامية وقد كونت إمبراطورية عظمى وصلت حدودها إلى جنوب فرنسا وباتت تهدد أوروبا بأسرها، وكتلة الشعوب المسيحية وتشمل دول غرب أوروبا وقد تجمعت تحت السلطة العليا البابا لدفع هذا العدو المشترك وتصادمت الكتلتان فكانت الحرب الصليبية.
وفي نفس الوقت طورت الكنيسة خلال القرون الوسطى نظاما قانونيا شاملا عرف بالقانون الكنيسي. وهذا القانون لم يكن قانونا وطنيا ولا قانونا دوليا بل كان قانونا يعلو على الدول ويقتضي رضوخ العالم المسيحي له ، وقد استطاعت الكنيسة أن تبني في مجال العلاقات الدولية قواعد ملزمة بسبب الجزاءات الفعالة التي كانت تملكها مثل الطرد من رحمة الله والتهديد بالعقاب في العالم الآخر .
وقد كان لحركة الإصلاح الديني أثر كبير من الناحية الدولية، إذ انقسمت دول أوروبا نتيجة لهذه الحركة إلى فريقين فريق يضم الدول الموالية للكنيسة ويعمل على إبقاء الوحدة المسيحية الكاتوليكية، وفريق يجاهد في سبيل الحرية الدينية والاستقلال عن النفوذ الكنيسي، مما أدى إلى دخول أوروبا في حرب طويلة امتدت لثلاثين سنة انتهت بإبرام معاهدات وستفاليا 1648.
لقد أكد فقهاء الشريعة الإسلامية والمفسرون فيما أتى به الإسلام من قواعد بشأن العلاقات مع الدول غير الإسلامية في حالتي السلم والحرب ومعاملة أهل الذمة والأجانب، وعالجوا ذلك في مؤلفات خاصة مثل سير الأوزاعي (157) (هـ) وكتاب الجهاد لعبد الله بن المبارك (181هـ) والسير الكبير والسير الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني (189هـ) وسير محمد الواقدي (207 هـ) وكتاب الجهاد للطبري (310هـ) ورسالة الجهاد لابن
. تيمية (661هـ)
إن هذه المؤلفات وغيرها من مؤلفات السير والجهاد - لا تدع مجالا للشك في أن الفقه الإسلامي كان أول فقه يدرس القانون الدولي كفرع مستقل عن الدراسات القانونية الأخرى، وذلك قبل ظهور غروسيوس الذي سيحمل لقب "أب القانون الدولي" بعد ثمانية قرون. وقد اشتملت الشريعة الإسلامية على ضوابط وأحكام كونت نظاما متكاملا بحكم العلاقات الإنسانية، لم يصل القانون الدولي لمثلها إلا بعد أربعة عشر قرنا. وكان الإسلام خلاقا لقواعد جاءت أخيرا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقانون البحار، وقانون المعاهدات، والقانون الدبلوماسي، ومعاهدات جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب والجرحى والمدنيين.
6- القانون الدولي في العصر الحديث:
لقد وضعت معاهدات وستفاليا الأسس التي قامت عليها قواعد القانون الدولي الحديث والمبادئ التي حكمت علاقات الدول ما يقرب من قرن ونصف، حيث قضت هذه المعاهدات على السلطة الدينية، واعترفت بمبدأ المساواة بين الدول، وهيئت للدول الأوروبية لأول مرة الاجتماع في مؤتمر للتشاور في شؤونها وحل مشاكلها على أساس المصلحة المشتركة والمساواة بينها.
كما أقرت نظام البعثات الدبلوماسية الدائمة محل البعثات الدبلوماسية المؤقتة التي كانت قائمة في ذلك الوقت. فساعدت على قيام العلاقات بين الدول بصفة دائمة، وفتحت الباب لتدوين قواعد القانون الدولي.
كما أن مؤتمر وستفاليا، أخذ بفكرة التوازن الدولي، ومؤدى هذه الفكرة أنه إذا حاولت
دولة أن تتوسع على حساب غيرها من الدول، فإن للدول الأخرى أن تتحالف ضدها وتحول دون هذا التوسع حتى لا يختل التوازن الدولي ويصان السلم العام.
وعلى هذا الأساس تقرر استقلال عدد كبير من الدول، وأصبح من اللازم لكي تتعامل الدول فيما بينها ، أن تعترف كل دولة بوجود الدول الأخرى، وعدم الخضوع لأي سلطة عليا، وتكريس فكرة الحدود الإقليمية.
غير أنه في النصف الثاني من القرن التاسع عرف المجتمع الدولي تطورا، بحيث لم تعد الدول الأوروبية المسيحية هي الوحيدة على الساحة الدولية، بل ستنظم إليها الدولة العثمانية عام 1856، وكذلك من آسيا الصين عام 1844 واليابان 1853 وستتسع الجماعة الدولية مع ظهور دولة مستقلة جديدة في القارة الأمريكية وقبول الدول غير الأوربية في عضويتها. ونتيجة لذلك بدأت هذه الدول تساهم إلى جانب الدول الأوربية في الشؤون الدولية التي كانت تعالجها المؤتمرات الأوروبية وتشترك في هذه المؤتمرات وفيما كانت تنتهي إليه من اتفاقات إلى أن قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، عقبها مباشرة تأسيس أول منظمة دولية "عصبة الأمم". التي لم تفلح جهودها في صيانة السلم والأمن الدولي، مما أدى إلى اندلاع حرب عالمية الثانية 1939، أسفر عنها انتصار الحلفاء وعقد مؤتمر سان فرانسيسكو ووضع ميثاقا عالميا تضمن نظاما دوليا جدا وقواعد ومبادئ تحكمه لا زال معمول بها إلى حدود اليوم في منظمة الأمم المتحدة، والتي تنسجم مع قواعد القانون الدولي العام .