أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

تحليل قصة دم ودخان لمبارك ربيع


تحليل قصة دم ودخان لمبارك ربيع
تحليل قصة دم ودخان لمبارك ربيع

تحليل قصة دم ودخان لمبارك ربيع 


تأطير النص :

القصة القصيرة نوع أدبي نثري إبداعي له خصائصه التي تميزه عن غيره من الأنواع الأدبية الأخرى، فهو يلتقي مع أنواع سردية أخرى في تحديد فضاء الحكاية وعملية الحكي و تقنيات السرد، إلا أنه يختلف عنها في خصائص أخرى ظهرت في المغرب في ثلاثينيات القرن العشرين حيث شهد آنذاك حركة ثقافية أدبية جاءت ثمرة احتكاك مبدعيه ومثقفيه ومعاناتهم من الوضع الذي فرضه الاستعمار الغربي وما خلفه من مشاعر متباينة لدى الأوساط المثقفة وعند عامة الشعب، كما ساهم انتشار الصحافة وإنشاء دور الطبع والنشر في ازدهارها وقد انخرطت القصة في حركة التحرر والاستقلال وبعد الاستقلال اهتمت بقضايا الصراع الاجتماعي وهموم الإنسان المغربي، ومن روادها محمد عز الدين التازي والميلودي شغموم ومحمد برادة والأمين الخمليشي وأحمد بوزفور ومبارك ربيع صاحب «دم ودخان»، فما هو المتن الحكائي فيها؟ وما خصائصها؟

صاحب النص :

مبارك ربيع كاتب مغربي ولد عام 1940م بسيدي معاشو التابعة لعمالة سطات، حصل على الإجازة في الفلسفة ثم عمل بالتعليم، كان عضوا في اتحاد كتاب المغرب من مؤلفاته الريح الشتوية» «الطيبون» «رفقة السلاح والقمر».


الملاحظة ووضع الفرضية :

من خلال ملاحظة العنوان «دم ودخان» والذي يتكون من كلمتين لا تظهر العلاقة بينهما واضحة والفقرة الأولى من النص «عندما توقف دحمان ...كان بوده لو ملك قدرة على الكلام في هذه اللحظة» والفقرة الأخيرة منه «وتناول منها السفود المعدني ... في قعرها بقعة داكنة تتزايد» ومشيرات النص الواقعة في بداية كل فقرة، نفترض أنه قصة قصيرة تعالج قضية اجتماعية مرتبطة بالحياة اليومية للبطل.


فهم النص :


تلخيص المتن الحكائي :

تحكي هذه القصة عن شخصية دحمان الذي وقف أمام الجزار مزهوا وهو يطلب منه أن يزن له كيلو لحم غنم، وعندما عاد إلى المنزل حام حوله أولاده فرحين ولكنهم سرعان ما التفوا حول الأم وهي شوي الكبد على الجمر والدخان يملأ الأجواء، أما هو فقد بقي مستلقيا على أريكة والتعب والإرهاق يغلبانه، استرجع ما حدث له ذلك الصباح وكيف أنه ادعى التبرع بدمه لوالدته، في حين كان قد اتفق مع أهل المريضة على بيعه تذكر شجاره معهم وكيف أنهم لم يعطوه المبلغ المتفق عليه، واكتفوا بإعطائه عشرة دراهم، تذكر أيضا تلك الأنامل الناعمة المدربة التي كانت تحرك زجاجة الدم.


تحليل النص :


الخصائص الفنية لهذه القصة القصيرة:

الشخصية الرئيس في هذه القصة هي شخصية دحمان، وهو البطل الذي تدور حوله الأحداث ،ويتميز بمجموعة من الصفات الاجتماعية والنفسية التي تجعله نموذجا للإنسان الفقير الذي يعاني من قلة ذات اليد كما يعاني من الظلم الذي تمارسه عليه فئات اجتماعية أخرى فهو معتاد على تلبية حاجاته اليومية بما هو بسيط و في المتناول ( قطعة الكرشة الغليظة و الشحم ) ولكنه يضطر أحيانا للقيام بما أكثر من طاقته بسبب ظروف طارئة كالمرض، وهو بذلك يعاني ماديا و نفسيا (الفقر، التعب، القلق والاضطراب) ، أما علاقته مع الشخصيات والقوى الفاعلة الأخرى فهي تتميز بكونها علاقة مصالح ومعاناة، فالزوجة لم تقدر حالته المادية الصعبة، وأبناؤه لا يعرفون كنه المشكلة، والطبيب كان يعتبره مجرد حالة من الحالات الإنسانية التي ترد عليه كل يوم، أما علاقته بأهل المريضة فلا تعدو أن تكون علاقة تبادل منافع انتهت بظلمه عندما رفضوا إعطاءه المبلغ المتفق عليه لينعكس كل ذلك على حالته النفسية التي كانت تعاني في صمت.

و تدور أحداث هذه القصة في الزمان الماضي، ودلالته أن الحكاية يمكن أن تقع في أي وقت، أما المكان فقد توزع بين البيت والمستشفى فالبيت يفترض فيه أنه مكان للراحة والألفة بين أفراد الأسرة، ولكنه أيضا قد يكون عبئا على الشخصية إذا كانت متطلباته تفوق القدرة، أما المستشفى فهو في الأصل مكان للشفاء، ولكنه قد يتحول إلى مصدر للمرض والموت والظلم.

لم يكن السارد مشاركا في أحداث هذه القصة واعتمد على الرؤية السردية من خلف لأنه كان يعرف كل شيء عن الشخصيات بما في ذلك بواطنها الداخلية ( كان بوده لو ملك قدرة على الكلام في هذه اللحظة - وأحس دحمان أنه يثير الاشمئزاز ) ، وقد التزم بحبكة مناسبة تمثلت في الخطاطة السردية التالية: 

  • وضعية البداية: شراء دحمان كبد الغنم وتقديمه للزوجة.
  • وضعية الوسط: تذكر البطل بيع دمه وما صاحب ذلك من مشاكل. 
  • وضعية البهايه: استيقاظ دحمان من غفلته وتناوله الطعام.

إن الرهان الذي سعى إليه الكاتب في هذه القصة هو الكشف عن مجموعة من الظواهر الاجتماعية تمثلت أساسا في الفقر والبؤس الذي تعانيه فئات عريضة من المجتمع وهي فئات تعاني من الاستغلال كذلك، كما أنها تتعرض للظلم، ويمثل دحمان نموذجا لهذه الطبقة، فقد باع دمه مقابل مبلغ زهيد، وهذا رمز للاستغلال الذي تتعرض له هذه الطبقات التي تعمل ساعات طويلة بمبالغ لا تحفظ لها كرامتها و إنسانيتها.
بالإضافة إلى الخصائص السابقة استعان الكاتب في هذه القصة بمجموعة من التقنيات الأخرى مثل الحوار الذي دار بين دحمان والجزار والمونولوج بين البطل ونفسه والفلاش باك عندما استرجع ذكريات يومه في المستشفى.

تركيب :

تعتبر قصة «دم ودخان» لمبارك ربيع نموذجا للقصة القصيرة العربية، وقد عالجت موضوعا اجتماعيا مهما تمثل في الفقر الذي تعيشه فئات من المجتمع، كما أن الكاتب التزم بخصائص هذا الفن الأدبي من حيث توظيف الزمان والمكان والشخصيات والحدث والسرد والاختزال والرهان، ولعله قد نجح في إيصال فكرته إلى القارئ، وهذا دليل على أن فن القصة القصيرة من أكثر الأنواع الأدبية قدرة على تشخيص القضايا الاجتماعية والنفسية .
تعليقات