منهجية جاهزة لتحليل نص شعري ينتمي لتجربة سؤال الذات
ظهرت المدرسة الرومانسية في الربع الأول من القرن العشرين كرد فعل ضد المدرسة التقليدية التي همشت الذات والعاطفة مستفيدة من مجموعة من الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية، وقد كان لمدرسة المهجر الأثر البالغ في وضع الأسس الأولى لهذه الكتابة الشعرية التي كان همها الأول هو إعادة الاعتبار للذات وذلك من خلال التعبير عن المشاعر والأحاسيس والانفعالات الذاتية وقد برز في هذه المدرسة مجموعة من الرواد أمثال إليا أبو ماضي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وادريس الجاي وهو شاعر مغربي ترك عددا من الدواوين الشعرية منها ديوانه الذي أخذنا منه هذه القصيدة،فما أهم الأفكار التي عبر عنها الشاعر؟ وماطبيعة اللغة التي استخدمها والمعجم المرتبط بها؟ وما أهم الخصائص الفنية فيها و بخاصة الصور الشعرية والبنية الإيقاعية والأساليب؟ وأخيرا ما مدى انتماء القصيدة إلى مدرسة سؤال الذات؟
استهل الشاعر قصيدته
المعنونة بـالفردوس المفقود بالإشارة إلى المكان الذي
شهد تدفق عاطفته،ثم انتقل بعد ذلك في الفكرة
الثانية إلى الشكوى مما حل به، فهو
يشكو للجنادل،ولكنه لم يجد جوابا يرضيه،وفي آخر النص تأسف على الغاب الذي أصبح
مقفرا من الأحبة، وعبر عن حيرته وحزنه وألمه.للتعبير عن الأفكار
السابقة استخدم الشاعر لغة سهلة متداولة والمعجم الدال على ذلك هو (نذكر كلمات سهلة )كما ركز على حقلين دلالين الأول خاص بالطبيعة(غاب،الهضاب،الأعشاب)والحقل الدال على العاطفة وألفاظه هي (الهوى،التصابي، هوانا، الحب (والعلاقة بين هذين الحقلين الدلالين هي علاقة تكاملية لأن هروب الشاعر إلى الغاب وشكواه للجنادل كان
بسبب عاطفته.أما فيما يرتبط بالغرض فقد اعتمد
الشاعر غرضا جديدا وهو التعبير عن الذات وهو غرض حديث كما وظف عددا من الصور وبخاصة الاستعارة كما في قوله سألت عنك
صخور الوادي) وكذا قوله(سألت عنك بقايا الجذوع هذا إضافة إلى مجموعة من التعابير المجازية
التي تميزت بالخيال وبأنسنة الطبيعة
وتشخيصها،وكل هذه الصور الشعرية كانت لها وظيفة تعبيرية انفعالية.ولكي يضفي الشاعر على
قصيدته طابعا خاصا فقد اختار لها في إيقاعا خارجيا مناسبا اعتمد
فيه نظام الشطرين
المتناظرين وباعتماد بحر خليلي هو بحر المجتث، بقافية موحدة (/0/0صابي) وروي موحد هو حرف الباء،أما في الإيقاع
الداخلي فقد اعتمد فيه على تكرارالألفاظ(سألت، لم يبق) وتكرارالأصوات كالميم والنون في
أغلب أبيات القصيدة، ووظيفة الإيقاع بنوعيه هي تعبير الشاعر عن عواطفه.وإذا انتقلنا إلى الجمل والأساليب فإننا نلاحظ أن
الشاعر ركز على الجمل الخبرية التقريرية التي تحتمل التصديق والتكذيب ومثال ذلك (هنا كحيث قضينا ربيع الشباب)، وعلى ضمير المتكلم الذي كان مناسبا للتعبير عن
ذات الشاعر، ووظيفة هذه الأساليب هي إفصاح الشاعر عما يشعر
به.تأسيسا على ما سبق و بعد أن انتهينا من تحليل هذا
النص لاحظنا بأن الشاعر قد تناول في هذه القصيدة غرضا حديثا وهو التعبير عن الذات، كما اعتمد لغة سهلة، واستعان بعدد من الصور الشعرية التقليدية و
بخاصة الاستعارة والمجاز ولكن بوظيفة جديدة هي
الوظيفة التعبيرية الانفعالية ،كما أنه اعتمد على بنية
إيقاعية موروثة وظففيها نظام الشطرين وقافية موحدة وروي موحد والتزم فيها بالكتابة وفق بحر
خليلي تقليدي، وعلى مستوى الأسلوب فقد لاحظنا بأن
الشاعر ركز على الجمل الخبرية التقريرية التي بينت انفعاله، كل ذلك يجعلنا نؤكد بأن هذه القصيدة
تنتمي إلى تجربة سؤال الذات.